بقلم : علي طه
تتزايد المخاوف من تداعيات تفاقم ظاهرة التغير المناخي حول العالم، ومن أبرزها الهجرات المناخية، حيث من المتوقع أن يصل عدد المهاجرين لأسباب مناخية إلى 216 مليون مهاجر، بحلول عام 2050 وذلك على وقع ارتفاع معدلات الحرارة القياسية والجفاف وشح المياه والأمطار، وارتفاع مناسيب البحار نتيجة ذوبان القطبي الجليديين.
وفي هذا السياق، كشف المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، أنهم “ليسوا مستعدين لموجات الهجرة المتزايدة بسبب التغيرات المناخية، لذلك نحن بحاجة إلى تمويل مستدام”.
أرقام مخيفة
وبحسب البنك الدولي، فقد يصل عدد المهاجرين لأسباب مناخية إلى 216 مليون مهاجر، بحلول عام 2050، إذ ستضطر عائلات بكاملها إلى النزوح داخل بلدانها، ولا سيما في أفريقيا والشرق الأوسط.
وتفيد مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، أن “90 في المئة من اللاجئين في العالم يأتون من مناطق معرضة بقوة لتأثيرات التغير المناخي”.
“عصر الهجرة المناخية”
وكانت المنظمة الدولية للهجرة، قد حذرت في سبتمبر/أيلول الماضي، من أن “العالم قد دخل رسميا عصر الهجرة المناخية” داعية لمعالجة أثر تغير المناخ على التحركات السكانية.
ويقول الأكاديمي والخبير البيئي رمضان حمزة في تصريحات صحافية “لا شك أن تصاعد ظاهرة الهجرة الداخلية والخارجية، هي من أخطر مفاعيل تغير المناخ، حيث يضطر السكان في الكثير من البلدان والمناطق إلى النزوح بسبب توالي مواسم الجفاف واتساع رقعة التصحر وقصور المحاصيل الزراعية عن ضمان الأمن الغذائي لهم، وارتفاع مستويات البحر في المدن الساحلية، وزيادة العواصف الغباري”ة.
وتشير التقديرات العلمية إلى أن أعداد مهاجري المناخ ستتجاوز حاجز المليار والنصف، في غضون عقود قليلة قادمة فقط، وهو ما يكشف خطورة الأمر وما ينطوي عليه من تهديد خطير للأمن والاستقرار والتنمية على مستوى العالم ككل، وعلى الصعيد الإقليمي والقاري.
ولهذا فالمطلوب، حسب حمزة، تكثيف جهود المجتمع الدولي، واتخاذ إجراءات فاعلة للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف مع عواقبه، والبدء برسم خطط إنمائية عاجلة لتجنب تفاقم هذه الظاهرة، عبر توظيف الطاقات البديلة المعتمدة على الشمس والرياح وترشيد استهلاك الوقود الأحفوري وغير ذلك من خطوات ملحة، فضلا عن توفير الدعم للقطاعات الانتاجية الحيوية ولا سيما الزراعية منها في المناطق الريفية والمتضررة جراء تطرف المناخ.
ويضيف “يمكن للتخطيط الجيد ضمان أن تكون المناطق الطاردة والمستقبلة مجهزة تجهيزا جيدا لتلبية احتياجات سكانها وتطلعاتهم، وبما يحد من نزيف الهجرة المناخية التي تترتب عليها أعباء ثقيلة اقتصاديا واجتماعيا وخدميا وأمنيا.”
العلاقة بين تغير المناخ والصراع والنزوح
غير أن خافيير ديفيكتور، المدير المشارك، لتقرير البنك الدولي عن التنمية في العالم 2023، وكانتا كوماري ريجاود، أخصائية أولى في مجال البيئة بالبنك الدولي، يشيران في دراسة لهما إلى أن الروابط بين تغير المناخ والصراع والنزوح الناجم عن الصراع ليست واضحة.
ويشددان على أن “تغير المناخ دافع مهم للهجرة، حتى وإن كان معظم الناس يتنقلون داخل بلدانهم. ومع ذلك، فإن الصراعات التي تتسبب في أكبر عدد من اللاجئين والنازحين داخليا اليوم، أفغانستان وميانمار والسودان وسوريا وأوكرانيا وفنزويلا، مدفوعة في المقام الأول بالسياسة”.
وربما أدت بعض الأحداث المرتبطة بالمناخ إلى تفاقم هذه الأزمات بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وبالتالي خلق المزيد من التوترات الاجتماعية، لكن من الواضح أن جذور هذه الصراعات تتجاوز تغير المناخ.
بيد أنه ثمة فروق طفيفة في هذا الطرح. ففي بعض أنحاء العالم، مثل شمال نيجيريا، دفع تغير المناخ الرعاة إلى تعديل مسارات ارتحالهم، مما خلق صراعات محلية مع المزارعين وتسبب في النزوح الداخلي نتيجة لذلك.
وفي الصومال، وجد الناس الذين قرروا البقاء على الرغم من أعمال العنف أنفسهم مجبرين على الفرار عندما ضربت موجات الجفاف مناطقهم؛ فالآثار المضاعفة لتغير المناخ والصراع جعلتهم لاجئين.
ويعتبر الباحثان إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث حول الروابط السببية بين تغير المناخ والصراع والنزوح الناجم عن الصراع – الظروف التي تظهر فيها هذه الأوضاع والتدخلات الممكنة التي يمكن أن تخفف من المخاطر.
ويضيفان في مقالة لهما على موقع البنك الدولي على الشبكة العنكبوتية، “يتعذر التنبؤ بالتحركات المستقبلية عبر الحدود. نظرا للطبيعة غير المسبوقة لتغير المناخ، فإن النماذج الكمية غالبا ما تعتمد على افتراضات وليس على الخبرات.”
ومع ذلك، فإن نطاق تحركات السكان واتجاهها في المستقبل سيعتمدان إلى حد كبير على برامج التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معها التي سيتم تنفيذها في السنوات القادمة، أي على القرارات التي يجري اتخاذها وتلك التي لم تتخذ بعد.
وبالمثل، سيتوقف انتقال الأشخاص داخل بلدانهم أو عبر الحدود على القرارات التي لم تتخذها بلدان المقصد بعد، وعلى ما إذا كانت تسهل حركات الهجرة الجديدة أو تقبلها على مضض أو ترفضها.
وتشير بعض التقديرات إلى اضطرار نحو 210-230 مليون شخص للانتقال بنهاية القرن، معظمهم داخل بلدانهم.
وعلى الرغم من ضخامة هذه الأرقام، فإنه يلزم وضعها في سياقها، لا سيما بالنظر إلى اتجاهات النمو السكاني أو التوسع الحضري المتوقعة في البلدان المتضررة.
الفقراء لا يتمكنون من النزوح
والواقع أن القضية الرئيسية قد لا تتعلق بالأشخاص الذين ينتقلون، بل بالأشخاص الذين يعانون من الفقر بسبب تغير المناخ لدرجة أنهم لا يستطيعون حتى الانتقال: فالانتقال أمر مكلف، ولذلك غالبا ما تكون الفئات الأكثر ضعفا مُحاصرة في حلقة مفرغة من الفقر بالمناطق المتأثرة بتغير المناخ.
ويلفت الباحثان الانتباه الى أهمية النظر بحذر في مفهوم “لاجئي المناخ”، حيث كثيرا ما يكون تغير المناخ مجرد عامل محفز. فهو يؤدي إلى تفاقم أو تسريع الدوافع الأخرى للحركة، فقد أدى الوقوع المفاجئ لظواهر مناخية متطرفة إلى نزوح نحو 300 مليون شخص على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية.
لكن نسبة كبيرة من هذه التحركات كانت مؤقتة، ومعظم هؤلاء الأشخاص لم يعبروا الحدود الدولية.
وتثير حالة الدول الجزرية الصغيرة التي قد تختفي إلى حد كبير بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر قضايا محددة.
مع ذلك، ففي معظم الأوضاع الأخرى التي تخضع لآثار مناخية بطيئة الظهور، يتعذر إرجاع حالات محددة للهجرة والنزوح طويل الأجل إلى المناخ وحده.
ويشيران إلى أن الناس “يتنقلون لأنهم لم يعودوا قادرين على تلبية احتياجاتهم، وهو ما يُعزى إلى مجموعة من الظروف التي تفاقمت بسبب تغير المناخ – مثل عدم كفاية الأراضي المتاحة للزراعة، وتقلبات أسعار السلع الأولية، والاعتبارات الشخصية. ومن ثم، فإن فكرة انتقال الناس “بسبب المناخ” – والتي ستكون الأساس لوضع “لاجئ مناخي” – تحتاج إلى التعامل معها بكل تعقيداتها.”
وتعيش أعداد كبيرة من اللاجئين في مناطق تتأثر بتغير المناخ، وفي هذه المناطق، يؤدي النزوح القسري وتغير المناخ إلى أن أحدهما يتفاقم بسبب الآخر، وهناك حاجة ماسة إلى الدعم.
وفي سياق يتسم بندرة التمويل، لا يتمثل التحدي في تعبئة المزيد من الموارد فحسب، بل أيضا في ضمان استخدامها بطريقة فعالة من حيث التكلفة. ويتطلب ذلك دراسة الآثار المناخية المحتملة قبل اتخاذ قرار باستضافة أعداد كبيرة من اللاجئين في المناطق المعرضة لتغير المناخ.
كما يتطلب إدراج المناطق المستضيفة للاجئين في الخطط الوطنية للتكيف مع المناخ، وهو ما سيكون على الأرجح أكثر فعالية من إنشاء أدوات جديدة ومخصصة من المرجح أن تظل تعاني من نقص التمويل.
أخيرا، والأهم، ثمة حاجة إلى التحرك الآن. وقد بدأت آثار تغير المناخ تتكشف بالفعل، ونتيجة لذلك انتقل ملايين الأشخاص بالفعل. وإذا كان لنا أن نمنع التحركات غير المتوقعة التي من شأنها أن تتسبب في قدر هائل من المعاناة الإنسانية، فهناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات بشأن المناخ الآن، وعلى نطاق واسع.