يعيش نحو 100 مهاجر، معظمهم سودانيون، في مخيم عشوائي تحت جسر على ضفاف نهر السين بباريس، في ظل موجة البرد القارس التي تضرب البلاد، أملين أن تدمجهم فرنسا في خططها لإيواء المشردين، بعد أن لاذوا بالفرار من جحيم الحرب الأهلية المشتعلة في بلادهم.
وعلى ضفاف نهر السين في العاصمة باريس، وفي المساء حيث تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون درجتين تحت الصفر، يتجمع الشبان حول نار صغيرة أشعلوها بشق الأنفس، ويتبادلون أطراف الحديث في محاولة لإشغال أنفسهم عن البرد القارس والواقع المعقد لحياتهم دون مأوى.
ويقول شاب سوداني ذو الـ19 عاماً، يدعى الضيف محمد “قالوا لنا إنه وبمجرد الوصول إلى أوروبا، سنحصل على مسكن وسنلتحق بالجامعات والمدارس، انظر إلى حالنا، نعيش في الشارع على الرغم من هذا البرد الشديد”.
ووصل معظم هؤلاء المهاجرين إلى فرنسا مؤخراً، ومنذ وصولهم، يقضون أيامهم في هذا المخيم المخفي بشكل تام تحت الجسر الذي نادراً ما يمر من أسفله المشاة، ولا يقطع رتابة أيامهم فيه سوى عبور الدراجات الهوائية بالقرب منهم.
وكل هؤلاء المهاجرين وفدوا إلى السواحل الإيطالية خلال الأشهر الماضية، بعد عبور البحر على متن قوارب متهالكة، لكنهم قرروا مواصلة طريقهم والقدوم إلى فرنسا.
يتابع الضيف محمد “وصلت إلى إيطاليا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد عبور البحر المتوسط على متن قارب مطاطي انطلق من ليبيا، وعلى متنه 43 شخصاً. وقررت مع مجموعة من رفاقي السودانيين الانتقال إلى فرنسا. لم يكن لدي صراحة سببا واضحا دفعني للانتقال سوى أن اللغة الفرنسية تستخدم في أكثر من دولة على عكس الإيطالية”.
وفي حديث مع موقع “مهاجر نيوز”، قال أنطوني من جمعية “سوا”، “نأتي إلى المخيم لتوزيع المساعدات أسبوعيا، يومي الأحد والإثنين. نحن نطهو الوجبات ونوزعها خلال جولاتنا، كما نقوم بتوزيع القهوة الساخنة. هذا المساء قمنا بتوزيع كل الكمية التي حضرناها، لأن هناك الكثير من المهاجرين. ولم يكن لدينا ما يكفي للجميع. يحتاج هؤلاء الأشخاص إلى الملابس والخيام الخالية من الثقوب بقدر حاجتهم إلى الطعام”.
ويعلق الضيف محمد “لا نعاني من مشكلة متعلقة بالطعام والشراب، الجمعيات تزودنا بذلك، لكننا لا نعرف ما الخطوة القادمة بخصوص الإيواء أو الحصول على إقامات. ونعاني أيضاً من الانقطاع الكامل في الاتصال مع عائلاتنا في السودان”.
وفيما يتعلق بإيواء هؤلاء المهاجرين، قالت صوفي “تمتلك المحافظة بضع مئات من الأماكن، وهو عدد ضئيل مقارنة بعدد الأشخاص في الشارع. نظام الإقامة في حالات الطوارئ عبر 115، مشبع تماما”.
وفي مواجهة موجة البرد التي تشهدها البلاد حاليا، أعلنت مناطق فرنسية مختلفة تفعيل خطة “البرد الشديد” تباعا، وأتاحت منطقة “إيل دو فرانس” 50 مكانا لإيواء العائلات أو النساء العازبات، و50 مكانا للرجال ابتداءً، وفق صحيفة لوياريزيان.
كما أعلن وزير الإسكان، باتريس فيرجريتي، أنه سيتم تخصيص تمويل إضافي بقيمة 120 مليون يورو “لتعزيز نظام الإقامة في حالات الطوارئ”. ومن المتوقع أن يغطي هذا المبلغ تكاليف 10 آلاف مكان إقامة جديد.
وبحسب الوزير، سيتم تخصيص هذه الزيادة في الميزانية لاستيعاب النساء والأطفال ممن يعيشون في الشارع دون مأوى، والذين يقدر عددهم بنحو 3000 شخص وفقا للجمعيات، بالإضافة إلى المساهمة في “إصلاح متعمق لنظام الإقامة في الحالات الطارئة”.
كان البرلمان الفرنسي قد اعتمد قانون هجرة متشدد الشهر الماضي، بعد تصويت اليمين المتطرف لصالحه، بينما أعربت منظمات حقوقية وإنسانية عن قلقها بشأنه لأنها ترى فيه تقويضا لحق اللجوء ولإجراءات الحياة الأسرية وحقوق أخرى للأجانب مرتبطة بالقضاء والحريات.
جدير بالذكر أن ملف الهجرة هذا هو الثاني من حيث الأهمية في البلاد بعد ملف تعديل قانون التقاعد الذي مررته الحكومة بالقوة عبر استخدام المادة 49.3 من الدستور.