ظننت أني ظفرت بالحرية بعد فراري من القاهرة ، لم يكن لدي أي خطط، أردت فقط الحفاظ على حياتي ، وما تبقى من مستقبلي.
هربت فور حصولي على تأشيرة سياحية لاذربيجان، لم أخشى أن أكون بلا ملاذ ،، فالوطن حيث تكون الحرية، لا يهم المكان الذي سأتجه إليه أو ما سأفعله، المهم الهرب من سجون مصر، حتى لو كان إلى المجهول.
واثق أن هذه ليست النهاية ،، فلقصتي بقية سوف تشهدها الأيام.
يناير البداية
بدايتي كانت حين اندلعت ثورة 25 يناير، و رغم أنى لم أكن قد بلغت الخامسة عشرة اذ أنني ولدت عام 1996 ،إلا انها فرضت نفسها على واقع كل مصري،
فمع قيام الثورة ضد نظام حسنى مبارك ، بدأ اهتمامي بالشأن العام ، آمنت بها وشاركت بوقتي ومجهودي من أجلها.
عاصرت مجازر قامت بها قوات الأمن المصرية في حقنا ، مثل أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو ، وغيرها من المجازر التي شكلت وعيي ومعتقداتي.
لا أتذكر فعالية تم تدشينها لدعم ثورة يناير ، او حرية المعتقلين ، لم اشارك بها.
منذ هذه الأحداث وخلال فترة حكم المجلس العسكري في مصر تطوعت في عدد كبير من المبادرات والحملات الحقوقية والسياسية منها :
حملة “لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين”،
حملة “أفرجوا عنهم” دعونا من خلالها للإفراج عن المعتقلين السياسيين خلال فترة الرئيس المعزول.
حملة تمرد عام 2013 والتي كنا نجمع خلالها توقيعات لعزل الرئيس السابق محمد مرسي،
وفي عام 2013، شاركت بفاعلية المطالبة بالإفراج عن المعتقلين أمام محكمة العباسية. وشاركت في عرض مسرحي سياسي بنقابة الصحفيين يتناول قضية التعذيب،
جميع التظاهرات التي دعت إليها جبهة “طريق الثورة”
حملة “إعاشة لأجل المعتقلين”
حملة “مش ناسينكم”، لتوصيل المساعدات واحتياجات المعتقلين من ذويهم أهالي المعتقلين وإدخالها لذويهم في أماكن الاحتجاز.
في عام 2014، شاركت في حملة “أفرجوا عن مصر” التي أطلقتها حركة شباب 6 أبريل، والتي دعت لإلغاء قانون التظاهر والإفراج عن كافة المعتقلين دون تصنيف.
سنوات العتمة والسجون
في 22 يناير 2015، تم اعتقالي مع مجموعة من الأصدقاء من وسط القاهرة حيث تم اقتيادنا إلى قسم شرطة عابدين وتعرضت للتعذيب لإجباري على الاعتراف بجرائم لم أرتكبها. أحيلت قضيتي إلى النيابة برقم محضر رقم 1867 لسنة 2015 جنايات وسط القاهرة، وظللت محتجزًا رهن الحبس الاحتياطي لمدة 45 يومًا قبل أن يتم إخلاء سبيلي والإفراج عني.
وفي 19 نوفمبر 2015، شاركت مع بعض الأصدقاء فعالية على كوبري أكتوبر لإحياء ذكرى أحداث محمد محمود والمطالبة بالعدالة للشهداء ، لكن تم اعتقالي وثمانية أشخاص آخرين، وتم تعذيبنا في قسم قصر النيل ، ثم نقولنا لسجن طرة تحقيق ، بعد تحرير محضر رقم 17826 لسنة 2015 جنايات قصر النيل، بعد فترة حوالي خمسة أشهر، حصلنا على البراءة من المحكمةفي 15 أبريل 2016.
وفي نفس العام – 2016- شاركت في فعاليات “جمعة الأرض” أمام نقابة الصحفيين احتجاجًا على صفقة تيران وصنافير بين مصر والسعودية، وفي 2 يناير 2017 وعقب فعالية أخرى أمام نقابة الصحفيين اعتراضًا على نفس الاتفاقية، تم الاعتداء علينا واعتقل بعض الأشخاص، وأصبت بكسر في ساقي اليمنى.
وفي 25 يناير 2017، وأثناء نقاشنا عن امكانية التظاهر في منطقة دار السلام، تم اعتقالي وعدد من الاصدقاء من أحد المقاهي، وتم اقتيادنا إلى قسم دار السلام، وهناك بدأت رحلة تعذيب لا إنساني.
واتهمت مجددا في القضية رقم 1334 لسنة 2017 جنايات دار السلام.
بعد 11 شهر تم إحالة القضية إلى محكمة أمن الدولة العليا، وتسجيلها برقم 248 لسنة 2017 وفي 14 ديسمبر 2017، تم إخلاء سبيلنا من محكمة أمن الدولة بالمعادي، لكن قرار لم يتم احترامه و لم ينفذ!!.
حيث تم اخفاءنا قسريا في أماكن تابعة للأمن الوطني لأكثر من شهرين ، وفي 26 فبراير فوجئنا بإحالتنا للنيابة مرة أخرى بعد أن تم تحرير محضر ضبط وإحضار بحقنا على ذمة حكم غيابي، وكأننا اعتُقلنا للتو!!.
في 24 مارس 2018، تم الإفراج عني، ولكن كان قد صدر ضدي حكم غيابي بالسجن لمدة خمس سنوات في القضية رقم 1876 لسنة 2015 جنايات وسط القاهرة. بالرغم من ذلك، تم الإفراج عني، وخرجت ولكنني لم أكن في كامل حريتي، إذ أصبحت ملاحقًا من قبل الأمن، لذلك قمت بالتواصل مع المحامي لطلب إعادة الإجراءات في الحكم الصادر ضدي، وفي 3 نوفمبر 2018، مثلت أمام المحكمة وتم إخلاء سبيلي، وحُجزت القضية للنطق بالحكم في 6 ديسمبر 2018. في ذلك اليوم، تم تخفيض الحكم من خمس سنوات إلى سنة واحدة مع الشغل والنفاذ. وفي 28 يناير 2019، سلمت نفسي برفقة المحامي إلى مقر النيابة لتنفيذ الحكم الصادر ضدي بالسجن لمدة عام. تم الإفراج عني في 31 ديسمبر 2019. ولكن في صباح اليوم التالي، تم القبض عليّ مرة أخرى واحتُجزت في قسم السيدة زينب لمدة عشرة أيام دون وجه حق!
لذا قررت الهرب من السجن إلى الشتات.
التغريبة
كنت أعلم أنه لا مفر ولا بديل عن الرحيل، لكني لم أكن أعلم إلى أين !
الهروب كان الخيار الوحيد أمامي من أضيق بقعة في العالم، من سجون ومعتقلات مصر ، التي أصبحت خبيرًا في انواعها وأشكال زنازينها، و طرق التغلب على بردها القاسي وعزلة حبسها الانفرادي.
جمعت شتات نفسي، واستجمعت قواي، وسيطرت على مخاوفي بعد أن مللت من الاختباء داخل جدران المنزل، بحثت عن أسهل وسيلة للخروج من مصر، وكانت عبر بوابة أذربيجان، فهي من الدول التي تسمح للمصريين بالدخول دون تأشيرة.
أذربيجان
ظننت أنني حجزت تذكرة الحرية، ونجحت أخيرًا في مغادرة مصر. منذ اللحظة الأولى كنت على يقين أن أذربيجان ليست سوى محطة عبور، خطوة نحو حلم الحياة في بلاد أمنة، لذا فور وصولي، بدأت خطتي للحصول على تأشيرة سياحية إلى جورجيا، بحثًا عن وسيط يسهل دخولي ولو بشكل غير شرعي إلى أوروبا.
جورجيا
وبالفعل، حصلت على التأشيرة في اليوم التالي وغادرت أذربيجان، لكنني صُدمت برفض الأمن الجورجي دخولي إلى البلاد، حيث شككوا في هدفي من الرحلة.
تعابيرت وجهي ، الرعب الذي خيم على شكلي ، كشف نواياي قبل أن أصل إلى موظف الجوازات؛ تم رفض دخولي جورجيا ، و ترحيلي على نفس الطائرة إلى أذربيجان، وهناك بدأت رحلة التيه، إذ رفضت السلطات في أذربيجان إدخالي البلاد مرة أخرى، سواء لعودتي بهذا الشكل من جورجيا ، وأيضا لأن تأشيرة الاصلية كانت دخولي صالحة لمرة واحدة فقط.
وبدأوا إجراءات ترحيلي إلى القاهرة من أذربيجان ، هنا فقدت السيطرة على نفسي، كان شبح الاعتقال يطاردني، وتخيلت عصا السجان الغليظة تترك آثارها على جسدي، صرخت و وبكيت بحرقة وصوت عالي .
ماليزيا
ورفضت الترحيل ، طلبوا مني الحصول على تأشيرة لأي بلد آخر عبر الإنترنت، وبعد يومين قضيتهم على كراسي المطار، حصلت على تذكرة إلى ماليزيا. ولكن المشكلة كانت في شرط وجود ألف دولار معي للسماح لي بصعود الطائرة. وبعد نقاشات محتدمة مع رجال الأمن، سمحوا لي بالمغادرة لكن لسوء الحظ، تم رفض دخولي ماليزيا أيضا، وتم احتجازي في المطار لمدة خمسة أيام، تعرضت خلالها للضرب والإهانة. هددوني بالترحيل إلى مصر، وكانوا يخبرونني في كل لحظة أنهم سيعيدونني إلى هناك، لم أستطع النوم، كنت خائفًا من العودة، كنت أعلم أن السجن سيكون مصيري مجددًا دون جريمة في مصر.
بمساعدة أحد الأصدقاء، حصلت على تذكرة إلى إندونيسيا، لكن الأمن الماليزي رفض السماح لي بالصعود للطائرة ، ثم حصلت على تأشيرة إلى كينيا، و كان عليّ دفع 150 دولارًا بحجة أنني كنت في فندق في المطار وليس في سجن.
كينيا
دفعت المبلغ وغادرت إلى كينيا، مكثت نحو ثلاثة أشهر، تلك كانت بداية رحلتي لقارة إفريقيا، وكانت المرة الأولى في حياتي التي اشعر فيها أنني حر.
موزمبيق وجنوب افريقيا
نظرًا لارتفاع الأسعار في كينيا وظروفي الصعبة، قررت المغادرة إلى موزمبيق ، كمحاولة لدخول جنوب إفريقيا وتقديم طلب لجوء سياسي هناك.
فور وصولي إلى موزمبيق، أعددت خطتي للرحيل إلى جنوب افريقيا ، وبافعل نجحت في عبور الحدود إلى جنوب إفريقيا مختبئًا داخل حقيبة سيارة!.
كان الأمر صعبًا وخطيرًا، لكنني كنت دائمًا أقول لنفسي إن الأمور لن تكون أسوأ مما رأيته في اقبية ومقرات أمن الدولة في مصر.
نجحت أخيرًا في الوصول إلى جنوب افريقيا ، بلد نيلسون مانديلا العظيم، ذلك البلد الذي احتواني وحماني، على عكس بلدي التي سجنتني ونفتني.
قدمت طلب اللجوء منذ ستة أشهر ، لكن حتى الان لم أتلق ردًا حتى الان .
قد أتحول إل مقيم غير شرعي ، وأتعرض لخطر الترحيل إلى مصر، لذلك مازلت أسعى للحصول على تأشيرة لأوروبا، وعلى الرغم من وضعي غير الشرعي، وحياتي هنا وحيدا دون أصدقاء، إلا أنني أشعر براحة وطمأنينة، فلا سجون ومزيد من القمع هنا.
فرغم كل شيئ ، أنا أخيرًا حر.